إن القلبَ ليحزن.. وإن العينَ لتدمع ** وإنّا على فراقك يا رمضان لمحزونون
• يا راحلا وجميل الصبر يتبعه ** هل من سبيل إلى لقياك يتفق
•
• ما أنصفتك جفوني وهي دامية ** ولا وفى لك قلبي وهو يحترق •
•
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار، خِلفةً لمن أراد أن يذَّكر، أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين بشيرًا ونذيرًا.
كنَّا بالأمس القريب، نتلقَّى التهاني بقدوم شهر رمضان، ونسأل الله بلوغه، واليوم نتلقَّى التعازي برحيله، ونسأل الله قبوله.من رب كريم ,,
بالأمس كنَّا نترقبه بكل فرحٍ وخشوع, واليوم نودِّعه بالأسى والدموع, وتلك سنة الله في خلقه, أيامٌ تنقضي, وأعوامٌ تنتهي تباعاً ,,
القد حان الوداع.. وداعاً يا شهر القرآن، وداعاً يا شهر الصيام والقيام، وداعاً يا شهر الرحمات والبركات، وداعاً يا شهر الجود والإحسان والخيرات،
وداعاً يا شهر التوبة والغفران والعتق من النيران، نسأل الله أن اعتق رقابنا ورقاب أبائنا وأمهاتنا ومن دعونا له ومن دعاء لنا من النار نعم لقد
مضى هذا الشهر المبارك، وقد أحسن فيه أناسٌ، وأساء آخرون, وهو شاهدٌ لنا أو علينا, شاهدٌ للمشمِّر بصيامه وقيامه، وعلى المقصِّر بغفلته وإعراضه,
ولا ندري هل سندركه مرَّةً أخرى، أم يحول بيننا وبينه هادم اللذَّات، ومفرِّق الجماعات؟ أعاد الله علينا شهر الصيام والقيام, ونحن في أجمل وأطيب حال ,,
( تعالي يا نفس أسألك بعد أن مرَّ رمضان كطيف خيال )
لقد مرَّ كلمحة برقٍ، أو غمضة عين ..كان مضمارًا يتنافس فيه المتنافسون, وميدانًا يتسابق فيه المتسابقون, فكم من أكفٍّ ضارعةٍ رُفعت,
ودموعٍ ساخنةٍ ذرفت, وعبراتٍ حرَّاء سُكِبت,, وحُقَّ لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله، وموسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
لقد مرَّ بنا هذا الشهر المبارك كطيف خيال, مرَّ بخيراته وبركاته, مضى من أعمارنا، وهو شاهدٌ لنا أو علينا بما أودعناه فيه, فليفتحْ كلُّ واحدٍ منَّا
صفحة المحاسبة لنفسه: ماذا عمل فيه؟ ماذا استفاد منه؟ ما أثره في النفوس؟ وما ثمراته في الواقع؟ وما مدى تأثيره على العمل والسلوك والأخلاق؟
وماذا بعد شهر رمضان؟ ماذا عن آثار الصيام التي عملها في نفوس الصائمين؟ لننظرْ في حالنا، ولنتأملْ ، ولنقارنْ بين حالنا قبل حلول شهر رمضان،
وحالنا بعده, حذاري أن نكون من الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان)، فربُّ الشهور واحد ! وكم رأينا أناسًا، لا يعرف أحدهم طريق المسجد
إلا في رمضان ! وإنَّ خروج رمضان إيذانٌ منه ، بآخر عهده بالصلاة والقيام والقرآن.وتلاوة القرآن ,,
ومنها: الخوف من عدم القبول، ورد العمل، قال جلَّ شأنه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}(المؤمنون:60)
أي يعملون الأعمال الصالحة، وقلوبهم خائفةٌ ألاَّ يُتقَبَّل منهم؛ لأنهم موقنون باليوم الآخر؛ والرجوع فيه إلى الله عزَّ وجلَّ.
وأخيراً: لقد كان رمضان فرصةً للتغيير، فإياك يا من عقدتَ العزم على التوبة، وعاهدتَ الله على الاستمرار على الطاعة، أن تنكُص على عقبيك.
((كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا عمل عملاً أثبته)) رواه مسلم. وعمل المؤمن لا ينقطع إلا بالموت،
كما قال تعالى: {فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ} [هود:112]،
وقال سبحانه: {وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ} (لحجر:99 )
نسأل الله أن يعيد علينا رمضان، أعوامًا عديدة، وأزمنةً مديدة، وأن يعيده على الأمة الإسلامية، وقد تحقَّق لها ما تصبوا إليه من العزة، والتمكين،